اعلانات

الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

فيلم يروج لفلسفة التطهر الديني



بالصدفة أو ربما بترتيب متقن؛ يعرض هذا الشهر في أمريكا والعالم الجزء السابع من "هاري بوتر" وسلسلة "المنشار SAW" أو "اللغز" كما يطلق عليه في الفيلم، وكلا الفيلمين يُعرض من خلال تقنية "البعد الثلاثي" التي أصبحت الموضة البصرية الأولى في عالم السينما.
تتميز سلسلة أفلام المنشار بقدرتها على استحضار تفاصيل وشخصيات من كل الأجزاء تقريبا ودمجها واستخدامها في الحبكة الرئيسية لكل جزء جديد، ومن هنا تشعر أنها عبارة عن قصة واحدة لكننا نراها على مراحل.
هذه القدرة هي تحديدا أهم ما يميز أي عمل متعدد الأجزاء، وهو ما يمكنه من الحفاظ على وحدة متكاملة البناء، تحتوي على اكتشافات جديدة لكنها غير منقطعة الصلة بما سبقها.. وهي درس في التطور الدرامي المقبل من داخل العمل وليس من خارجه.
وربما ساعد الهدف الدرامي للسلسلة على تطوير الحبكة بهذا الشكل المتكامل، فمنذ الجزء الأول ونحن ندرك جيدا أن فلسفة الفيلم هي أن أهم ما في حياة الإنسان هو الحياة نفسها، وأنها نعمة يجب أن نحافظ عليها، ولا ندرك قيمتها إلا عندما نشعر بأننا نوشك على أن نحرم منها، وأن التطهر مهم نفسيا وجسديا لكي يشعرنا الألم بمدى فظاعة ما ارتكبناه من خطايا، وكأننا نحاسب على الأرض قبل أن نحاسب في السماء.
هذه المفاهيم يختلط فيها الفلسفي بالديني، وخاصة فكرة الثواب والعقاب الموجودة في كل الأديان السماوية، وفكرة التطهر بالألم الموجودة في بعض المذاهب الكاثوليكية المسيحية؛ وهي محور سلسلة أجزاء المنشار، ولكن من خلال أقصى مشاهد الدم والخوف والعذاب النفسي والبدني.
وفي كل جزء من السلسلة، يحرص صناعها على التذكير بأهم مشاهد ولقطات الأجزاء السابقة والتي تصبح مفتاحا لحل لغز جديد أو بداية لعبة جديدة من ألعاب (جاك سو) أو رجل الألغاز كما تطلق عليه الشرطة.

الناجي والمفتش
يعتمد الجزء الجديد من السلسلة على محورين أساسين للحبكة؛ الأول هو وجود شخص يُدعى بوبي يقوم في البداية بعمل دعاية لكتابه، والاشتراك في مجموعة من الإعلانات التلفزيونية ولقاءات العلاج النفسي، على اعتبار أنه أحد الناجين من ألعاب جاك سو.
أما المحور الثاني فهو مطاردة المفتش هوفمان مساعد جاك سو في الأجزاء السابقة لجيل تاك، أرملة جاك سو، بعد أن اكتشفت سره في الجزء السابق، وذهبت إلى الشرطة كي تبلغ عنه، بل إنها وضعت له أحد الأقنعة الرهيبة التي ابتكرها جاك سو، والتي تكسر الجمجمة عن طريق تدمير الفك إذا لم تفتح قبل انتهاء الوقت المحدد للعبة.
هذا القناع يتسبب في إحداث ندبة طويلة في وجه هوفمان يقوم في أحد مشاهد الفيلم بتخييطها غرزة غرزة أمامنا، وتتطور الحبكتان بالتوازي؛ حيث يقوم هوفمان باحتجاز بوبي وزملائه الذين يشاركونه في الحملة الإعلانية، لنكتشف من خلال مشاهد الفلاش باك أن بوبي مجرد مدعٍ مزيف، ولم يتعرض لتجربة من تجارب جاك سو الرهيبة، وقد آن الأوان ليتعرض لها كي يختبر كل المبادئ النفسية والإنسانية عن الحياة وقيمتها، والتي يلوكها في حملته الإعلانية.
هذه اللعبة/التجربة عبارة عن محاولة إنقاذ زملائه الذين شاركوه في تزييف حملة النجاة من ناحية وإنقاذ زوجته التي لا تعلم شيئا عن كذبته من ناحية أخرى، ويتعرض بوبي لأقصى درجات المعاناة والرعب في محاولة إنقاذهم جميعا، لكنه في النهاية يفشل ويشاهدهم واحدا تلو الآخر، وهم يموتون ميتات بشعة، آخرها زوجته التي تحترق حية أمام عينيه، بينما هو ممزق الجسد لا يملك صنع شيء لها.
أما هوفمان فيقتحم مركز الشرطة من خلال اختبائه في أحد أكياس الجثث، ويقتل الجميع وصولا إلى جيل تاك المختبئة في المركز، ويضع لها قناعا يمزق رأسها، ولكنه في النهاية وكعادة كل أفلام السلسلة يتحول من جلاد إلى ضحية؛ حيث نكتشف مفاجأة السلسلة الجديدة.

الأحشاء ثلاثية الأبعاد
المفاجأة هي أن الدكتور جوردون الذي قطع ساقه بالمنشار في الجزء الأول (أشهر أجزاء السلسلة) يعمل مع جاك سو منذ ذلك الحين، ومن خلال مشاهد الفلاش باك نراه وهو يساعده في عمليات التعذيب والألعاب المتوحشة التي يمارسها على النماذج البشرية التي يختارها طوال الأجزاء السابقة، وهو ما أشرنا إليه في البداية عن قدرة السلسلة على استحضار شخصيات وتفاصيل سابقة وإعادة توظيفها في الأجزاء الجديدة.
ورغم أن تقنية 3D أو الثلاثي الأبعاد أهم تقنيات العرض الحديث وأكثرها متعة؛ إلا أنها مع سلسلة SAW تحولت إلى وسيلة تعذيب للمتفرجين أنفسهم؛ حيث تتطاير الأحشاء والدماء وأعضاء الجسد البشري على المشاهدين في الصالة، للدرجة التي ظن البعض أنها سوف تلوث وجهه وملابسه.
وقد ضاعفت هذه التقنية من الشعور بالتقزز ومن قسوة مشاهد الدم والتعذيب، ولم يفلح تبرير صناع الفيلم أن من يتعرضون للتعذيب هم من المجرمين والمخطئين في جعلنا نحتمل هذه المشاهد أو نطفئ مشاعر التعاطف معهم كبشر.
صحيح أن هدف هذه المشاهد هو إشعار المتفرج بالتطهر، وبتواضع العذاب البشري في مقابل العذاب الإلهي الذي ينتظر العصاة في الآخرة؛ لكن في هذا نوع من القسوة السادية والتي تلغي أي نوع من الرحمة أو الغفران، كما أن المتلقي وسط هذا الكم من الأشلاء الممزقة لا يسأل نفسه كيف ومتى استطاع جاك سو أو مساعدوه أن يعدوا كل هذه الألعاب الوحشية؟ والتي مجرد التفكير في فظاعتها يحتاج إلى شهور وإلى أذهان مريضة بالتعذيب والقتل!.
المفارقة أن مشاهدي السلسلة لا يهتمون بالجانب التطهيري أو الديني في الأفلام؛ لأنهم يجنبون مشاعرهم وأذهانهم طوال الوقت كي يتمكنوا من الاستمتاع بالألعاب الوحشية التي تمارس على شخصيات الفيلم؛ لأن أي استغراق نفسي أو ذهني سوف يجعل المتلقي يشعر بنفور شديد من مشاهد الدم، وتفتيت الملامح وانفجار الأجساد، وهو ما يجعلنا نتساءل عن طبيعة المتفرج الذي يهدف صناع السلسلة الوصول إليه!، فهل هو المتفرج الواعي الذي يرغب في التطهر الدرامي، أم هو المتفرج الذي يفرغ طاقاته المكبوتة من خلال مشاهد التعذيب.

ليست هناك تعليقات: